الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني في الأفراد وأبو نعيم في الدلائل، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت {تبت يدا أبي لهب} جاءت امرأة أبي لهب فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، لو تنحيت عنها، فإنها امرأة بذية، فقال: «إنه سيحال بيني وبينها فلا تراني» فقال: يا أبا بكر، هجانا صاحبك؟ قال: والله ما ينطق بالشعر، ولا يقوله. فقالت: إنك لمصدق، فاندفعت راجعة. فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، ما رأتك؟ قال: «كان بيني وبينها ملك يسترني بجناحه حتى ذهبت».وأخرج ابن إسحق وابن المنذر، عن ابن شهاب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا القرآن على مشركي قريش ودعاهم إلى الله قالوا: يهزؤون به {قلوبنا في أكنة بما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب} [السجدة: 5] فأنزل الله في ذلك من قولهم {وإذا قرأت القرآن} الآيات.وأخرج ابن عساكر وولده القاسم في كتاب آيات الحرز، عن العباس بن محمد المنقري رضي الله عنه قال: قدم حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه المدينة حاجًّا، فاحتجنا إلى أن نوجه رسولًا، وكان في الخوف، فأبى الرسول أن يخرج، وخاف على نفسه من الطريق، فقال الحسين رضي الله عنه: أنا أكتب لك رقعة فيها حرز لن يضرك شيء إن شاء الله تعالى، فكتب له رقعة وجعلها الرسول في صورته، فذهب الرسول فلم يلبث أن جاء سالمًا، فقال: مررت بالأعراب يمينًا وشمالًا فما هيجني منهم أحد، والحرز عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب، وإن هذا الحرز كان الأنبياء يتحرزون به من الفراعنة: {بسم الله الرحمن الرحيم} {قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون} [المؤمنون: 109] {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًا} [مريم: 18] أخذت بسمع الله وبصره وقوّته على أسماعكم وأبصاركم وقوتكم يا معشر الجن والإنس والشياطين والأعراب والسباع والهوام واللصوص، مما يخاف ويحذر فلان بن فلان، سترت بينه وبينكم بستر النبوّة التي استتروا بها من سطوات الفراعنة، جبريل، عن أيمانكم، وميكائيل، عن شمائلكم، ومحمد صلى الله عليه وسلم أمامكم، والله سبحانه وتعالى من فوقكم يمنعكم من فلان بن فلان في نفسه وولده وأهله وشعره وبشره وماله وما عليه وما معه وما تحته وما فوقه. {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابًا مستورًا} {وجعلنا على قلوبهم أكنة} إلى قوله: {نفورًا} وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابًا مستورًا} قال: الحجاب المستور أكنة على قلوبهم أن يفقهوه، وأن ينتفعوا به، أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم.وأخرج ابن أبي حاتم، عن زهير بن محمد وإذا قرأت القرآن الآية قال: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن على المشركين بمكة سمعوا صوته ولا يرونه.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورًا} قال: بغضًا لما تتكلم به لئلا يسمعوه، كما كان قوم نوح يجعلون أصابعهم في آذانهم، لئلا يسمعوا ما يأمرهم به من الاستغفار والتوبة.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورًا} قال: الشياطين.وأخرج البخاري في تاريخه، عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال: لم كتمتم {بسم الله الرحمن الرحيم} فنعم الاسم والله كتموا! فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل منزله، اجتمعت عليه قريش، فيجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويرفع صوته بها، فتولي قريش فرارًا، فأنزل الله {وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورًا}.وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إذ يستمعون إليك} قال: عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل.وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {إذ يستمعون إليك} قال: هي في مثل قول الوليد بن المغيرة ومن معه في دار الندوة وفي قوله: {فلا يستطيعون سبيلًا} قال: مخرجًا يخرجهم من الأمثال التي ضربوا لك، الوليد بن المغيرة، وأصحابه.وأخرج ابن إسحق والبيهقي في الدلائل، عن الزهري رضي الله عنه قال: حدثت أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق خرجوا ليلة يستمعون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالليل في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلسًا يستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعتهم الطريق فتلاوموا، فقال بعضهم لبعض: لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئًا، ثم انصرفوا حتى إذا كان الليلة الثانية، عاد كل رجل منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له حتى طلع الفجر تفرقوا، فجمعتهم الطريق فقال بعضهم لبعض: مثل ما قالوا أول مرة، ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثالثة، أخذ كل واحد منهم مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعتهم الطريق، فقال بعضهم لبعض: لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود، فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا، فلما أصبح الأخنس أتى أبا سفيان في بيته فقال: أخبرني عن رأيك فيما سمعت من محمد. قال: والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها. قال الأخنس: وأنا والذي حلفت به. ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل، فقال: ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال: ماذا سمعت! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف في الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رهان؛ قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه، والله لا نؤمن به أبدًا، ولا نصدقه فقام عنه الأخنس وتركه والله أعلم. اهـ.
أي: نُغَذَّى ونُعَلَّلُ. ومِن الثاني قول لبيد: ورَدَّ الناسُ على أبي عبيدة قولَه لبُعْدِه لفظًا ومعنى. قال ابن قتيبة: لا أَدْري ما الذي حَمَل أبا عبيدةَ على هذا التفسيرِ المستكرَهِ مع ما فسَّره السلفُ بالوجوهِ الواضحةِ. قلت: وأيضًا فإن السَّحْر الذي هو الرِّئَة لم يُضْرَبْ له فيه مَثَلٌ بخلاف السَّحْر، فإنهم ضربوا له فيه المَثَلَ، فما بعد الآيةِ مِنْ قوله: {انظر كيف ضَرَبُوا لك الأمثالَ} لا يناسِبُ إلا السِّحْر بالكسرِ.{وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49)}.قوله تعالى: {أَإِذَا كُنَّا}: قد تقدَّم خلافُ القراء في الاستفهامين كهذه الايةِ في سورة الرعد، وتحقيقُ ذلك. والعاملُ في {إذا} محذوفٌ تقديرُه: أنُبْعَثُ أو أنُحْشَرُ إذا كنَّا، دلَّ عليه {لمَبْعوثون} ولا يعملُ فيها مَبْعوثون هذا؛ لأنَّ ما بعد إنَّ لا يعملُ فيما قبلها، وكذا ما بعدَ الاستفهامِ لا يعملُ فيما قبله، وقد اجتمعا هنا، وعلى هذا التقديرِ الذي ذَكرْتُه تكون {إذا} متمحِّضةً للظرفيةِ، ويجوز أَنْ تكونَ شرطيةً فَيُقَدَّرُ العاملُ فيها جوابَها، تقديرُه: أإذا كنا عظامًا ورُفاتًا نُبْعَثُ أو نُعادُ، ونحو ذلك، فهذا المحذوفُ جوابُ الشرطِ عند سيبويه والذي انصبَّ عليه الاستفهامُ عند يونس.قوله: {ورُفاتًا} الرُّفات: ما بُوْلِغَ في دَقِّه وتَفْتِيتِه وهو اسمٌ لأجزاءِ ذلك الشيءِ المُفَتَّتِ. وقال الفراء: هو التراب. ويؤيِّده أنه قد تكرَّر في القرآن {تُرابا وعظامًا} ويقال رََفَتَ الشيءَ يَرْفِت بالكسرِ، أي: كَسرَه. والفُعال يغلب في التفريق كالحُطام والدُّقاق والفُتات.قوله: {خَلْقًا} يجوز فيه وجهان، أحدُهما: أنه مصدرٌ من معنى الفعلِ لا مِنْ لفظِه، أي: نُبْعَثُ بَعْثًا جديدًا. والثاني: أنه في موضع الحالِ، أي: مَخْلوقين. اهـ.
|